المبدع سائر جهاد قاسم يفوز بقصته المسافر
تقديم الدكتورالأديب : حسن حميد
إتحاد الكتاب العرب يكرم الفائزين
بمسابقة القصة القصيرة
الفائز الأول سائر جهاد قاسم
المسافر
مجموعة قصص قصيرة
تقديم الدكتور الأديب حسن حميد
الأديب الدكتور : حسن حميد
لم أكن من قبل قد قرأت شيئاً لكاتب اسمه ( سائر قاسم ) بل لم يلفت أحد انتباهي إلى هذا الاسم الذي يكتب القصة القصيرة . و لم أقرأ له شيئاً إلا عندما جاء إليّ يحمل بين يديه مخطوطته القصصية الأولى ، شاب في مقتبل العمر ، هادئ هدوء شيخ ، صامت على الدوام ، حيي و خجول . ينظر إلى محدثه بعينين لا تخلوان من الشرود و التشتت .. طلب إلي أن أقرأ قصصه ، و أنا أكتب مقدمة لها لأنه يود نشرها إن وجد تشجيعاً . و لا أدري ، وأنا في فوضاي العجيبة التي أكرهها كثيراً ، كيف ضيعت مخطوطته دون أن أقرأ منها حرفاً .. فتألمت كثيراً متخوفاً من أن تكون النسخة الوحيدة لهذا الشاب قد ضاعت . و حدث أن هاتفني بعد أكثر من أربعين يوماً و سألني عن المخطوطة ، فاحترت ماذا أقول له ، فأحس الرجل بارتباكي ، و قال لي منقذاً : سأسألك بعد أسبوع . قلت : طيب . و رحت من لحظتي أبحث عن المخطوطة فلم أجدها . و انتظرت هاتفه مرة أخرى ، لكنه و بعد أسبوع جاءني و معه نسخة جديدة من مخطوطته القصصية و فرحت به و بها معاً .
إن ( سائر قاسم ) ليس نزقاً ، و لا برماً ، و لا هو من أصحاب المذهبيات المسبقة التي تسيء الظن بالمتقدمين عليهم بالتجربة ، من الناحية الزمنية في الحد الأدنى . و لا هو من الذين يتجاهلون المشهد الثقافي جملة و تفصيلاً . إنه قاص يريد أن يرى قيمة نصوصه و صورها في مرايا الآخرين . يريد أن يدرك أدراك المتصوفة للمعنى ، هل أدى الوظيفية ، و حبّر المتعة ، و جسد الإقناع في نصوصه ، أم أنه يطير على أكف الأصدقاء و المقربين بعدما مدحوه و اثنوا عليه . لهذا جاء بقصصه لأقول فيها كلمة . و لا أدري إن كان قد قدمها لأحد من أصحاب التجارب الأدبية أو النقدية .. غيري .
المهم ، هو أنني توسمت في دفء هذا الرجل دفئاً مستجراً إلى نصوصه ، و هكذا كان فعلاً ، فـ ( سائر قاسم ) قاص يعي غايات النص القصصي ، كما يعي موجباته من إتقان للغة ، و التقاط المؤرق و الموحي و المتواري ، و التخلص من جهامة الموضوعات الكبيرة ، و صنع حياة لها طقوسها ، و ناسها ، و هواؤها ، و أرواحها النائية ، و ألوانها .. على قد الأحداث ، و وفق جولان النفوس القلقة العطشى لنهارات ملأى بالضوء ، و الحرية ، و الغايات الدانية كعناقيد العنب .
قصص ( سائر قاسم ) ذات رشاقة بادية ، جملة قصيرة و موضوعاته حيوية ، تمضي دونما عثار إلى خواتيمها السامية . ثمة وعي في الاستهلالات تجميلاً ، و تزويقاً ، و شداً للانتباه ، و ثمة ثنائيات متصادمة ما بين الخير و الشر ، و الضحية و جلادها ، و العادات و التمرد عليها ، و الموات و الثورة .. الخ . كما أن القصص طراً متخففة من ثقل الأفكار تجسيداً و حواراً .. فهي أقرب في تكوينها إلى حديقة صغيرة مشغولة بأيدي بستاني عينه اليقظى ، و يده الماهرة تعملان دائماً في تشذيبها ، و مدها بالرواء ، و هي بذلك تعطي انطباعاً طيباً عن قاص يتقدم بثقة ، و قد وعى دور الأدب ، و قيمة الإبداع كرسالة في الحياة .. يكرز لها ، و يعمل عليها ، لتصير أشد تأثيراً و فاعلية في الذات الإنسانية المصابة بحمى الوقت ، و الذوبان ، و الرخاوة ، و الانطفاء المؤسي . قصص تقارب الواقع و تحتفي به تخوفاً من غمره بالأنفاس الحامضية المستلة من ( ثقافة المادية ) و إفرازاتها الغثة المتكاثرة يومياً ، و هي بذلك ترتب لنفسها موقعاً في خندق المدافعين عن القيم النبيلة ، و الأرواح التي جرحها الجري اللاهث تلبية للدوافع العضوية كالطعام و الماء و الأمن .. الخ .
قصص ( سائر قاسم ) المجموعة في هذا الكتاب أشبه بيد مرفوعة و صوت يتعالى .. علامتها الأبرز الإعلان عن تشوف أدبي ، و حضور في المشهد الثقافي و الإبداعي .. يراد له أن يكون مسيجاً بالانتباه العميق و الصحو الدائم ، و المساهرة الإنسانية لعذابات الروح و قد صارت كلاماً يضيء بعض مواضع العتمة ، و قلقاً يهز القناعات المريضة ، و معنى تجتمع عليه من اجل الحياة المشتهاة .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المبدع سائر جهاد قاسم يفوز بقصته المسافر - تقديم الدكتورالأديب : حسن حميد